هل تذكرون الصورة المتحركة الشهيرة Nyan Cat؟

قبل أسبوعين، تمَّ بيع هذه الصورة الإلكترونية بحوالي نصف مليون دولار (300 وِحدة من عملة الإثيريوم الرقمية) من غير أنْ يخسرَ مبتكرُها أيّاً من حقوق ملكيتها! كيف؟ من خلال طرحِها في مزادٍ علني كـ” NFT “!

السبت الماضي، قام جاك دورسي مؤسس تويتر بعرض أولِ تغريدةٍ نشرَها على تويتر للبيع كـ” NFT “! في مزادٍ وصل إلى 2.5 مليون دولار حتى الآن!

 

فما هي الـ” NFTs ” التي أصبحت حديثَ الساعة مؤخراً؟

هي بمثابة تمثيلٍ رقْمي (شهادة مِلكيةٍ إلكترونية) لأصلٍ معيَّن (عملٍ فنيٍ رقمي Digital Art أو ألبومٍ موسيقي أو سلاحٍ في لعبةٍ إلكترونية أو حتى أصلٍ غير رقمي!). من المهم الانتباهُ إلى أنَّ “الملْكية” هنا لا تعني بالضرورة امتلاكَ جميع حقوق الأصل، فشراءُ NFT لفيديو معين لا يعني امتلاكك حقَّ منعِ الآخرين من مشاهدته. يقول المحلل ليونيد بيرشيدسكي: “فكِّرْ بالأمر على أنَّه حقُّ مفاخَرةٍ على طريقة الـ Geeks أو وسيلةٌ لتسهيل دعمِ المعجَبين للفنانين مادياً”.

 

كيف تختلف الـ” NFTs ” عن غيرها؟

1) رموزٌ وليست عملات

أي أنها -بعكس العملات- لا تمتلك قيمةً بحدِّ ذاتها، بل تستمدُّ قيمَتها من المحتوى المرتبط بها.

2) رقْميةٌ ولكن ليس لديها “بلوك تشين” (Blockchain)

لا تمتلك بلوك تشين خاصاً بها، بل تتمُّ استضافتها على بلوك تشين مسبق الوجود مثل بلوك تشين البتكوين أو الإثيريوم الذي تتواجد عليه أغلب رموز NFTs الحالية.

البلوك تشين Blockchain هي قاعدة بياناتٍ موزعةٌ على شبكةٍ من الحواسيب حول العالم. لنأخذ عملةَ البتكوين كمثال: عند إرسال عملة بتكوين من شخص (أ) إلى شخص (ب)، يتم إرسالُ هذه العملية إلى جميع المشاركين في قاعدة بيانات البتكوين (Bitcoin Blockchain) لتأكيدها ومن ثم تشفيرها (Hashing) وتسجيلها على جميع قواعد البيانات الموزعة حول العالم. يضمن ذلك (1) شبه استحالة تزوير العملية أو تغييرها (2) إتاحة سجل العملية للجميع لضمان الشفافية.

3) غير قابلةٍ للاستبدال (Non-Fungible) 

يمكنك استبدال دولار أمريكي بأي دولارٍ أمريكي آخر (كلها متشابهة وتحمل نفس القيمة)، وكذلك الأمر مع باقي الأصول القابلة للاستبدال كالذهب والعملات الرقمية. أمّا الـ NFTs فهي مميَّزةٌ مثلَ الأعمال الفنية والعقارات والسيارات التي لا يمكن تجزئتُها (لا يوجد إلا موناليزا واحدة فقط.. ولا يوجد إلا NFT واحد فقط).

لننظر -كمثالٍ على هذه المواصفات- إلى Nyan Cat التي ذكرناها في البداية: تمَّ إعطاءُ هذه الصورة الرمزَ التعريفي 219 (Token ID) والذي يُمثِّل صورةَ القطة ولا يمكن أن يُمثِّلَ أيَّ شيءٍ آخر. بعد إتمام الصفقة، تمَّ ربطُ هذا التعريف باسم الشخص الذي اشتراها على شبكة البلوك تشين التي تستضيف الرمز ليصبح مالكاً للـNFT الخاص بهذه الصورة. هل معنى ذلك أنه يملك حقوقها؟ لا.

هل أصبحت الصورة أوضح؟

 

الصورة الكلية

هل هذه الرموز هي مجرَّدُ وسيلةٍ لإضاعة المال لا تمنح مشتريها أيَّ قيمةٍ حقيقية؟ ليس تماماً.

كلُّنا نعلم أنَّ لدى البعض استعداداً لدفع ملايين الدولارات لامتلاك أصولٍ غيرِ منتِجة لكنها تمنحُهم قيمةً معنوية لكونها أصلاً نادراً لا يمكن تكراره. ما يحدث حالياً هو أمرٌ مشابه ولكن في العالم الإلكتروني. على سبيل المثال، قد لا يُمثّل لك قميصٌ مهترئ للاعبٍ مشهورٍ أيَّ قيمةٍ حقيقة، ولكنْ ستجد من عشاق هذا اللاعب من هو مستعدٌ لدفع الملايين لأجله! والأمرُ كذلك بالنسبة للأعمال الفنية التي تُباع بملايين الدولارات. فنُدرةُ الأصل وما يمثله للمشتري هما ما يمنحه قيمتَه، وهذا هو المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه الـ NFTs.

على الرغم من ذلك يجب توخي الحذر، إذ توجد بعضُ الرموز التي تباع بمبالغَ خياليةٍ دون أي مبرر وشراؤها يعني خسارةً محققة.

الانعكاسات المستقبلية: 

مازال هذا السوق جديداً نسبياً ولديه القدرة على التطور بشكلٍ كبير، وفيما يلي بعض الأمثلة على تطوراتٍ محتملة:

• الربط بأصولٍ حقيقة

توجد مشاريعُ حاليةٌ تحاول ربطَ هذا النوع من الرموز بأصولٍ حقيقيةٍ كالذهب والأصول العقارية. سيتيح ذلك لمشتري العقار مثلاً معرفةَ المالك الحالي له مباشرةً بالإضافة إلى سجل جميعِ من تمَلَّكه قبله (من خلال النظر إلى سجل مُلّاك الـNFT المرتبط بالعقار).

• تشكيل طوقِ نجاةٍ للفنانين

ستتيح هذه التقنية للفنانين بيعَ منتجاتهم الرقمية مباشرة والاستغناءَ عن الرجل الوسيط، كما ستضْمن حفظَ حقوقهم ومعلوماتهم.

• بناء اقتصادٍ جديد في عالم الألعاب

من أهم ما يميز الـ NFT قدرتُها على توحيد المعايير. فإذا قررتْ لعبةُ فورتنايت مثلاً إتاحةَ جميع ملابس الشخصيات لديها باستخدام هذه التقنية، سيصبح باستطاعة أيِّ مطورٍ تصميمُ الزي الذي يريده وعرضُه للبيع واستخدامُه في اللعبة دون الرجوع لـ فورتنايت. ليس هذا فحسب، بل يمكن استخدام الزي نفسِه في أيّ لعبةٍ أخرى تدعم الـNFT!