هل تستمع كي ترد؟
ما هو أكثر ما يشغل بالك خلال حضورك لاجتماع مهمّ للغاية: ما ستقوله أنت؟ أم ما سيقوله الآخرون؟
جوابك على هذا السؤال هو أحد أهم المؤشرات على نضجك بما يكفي لتتولى منصباً “قياديّاً”. فانشغالنا بالتفكير بما سنقوله، وبالتحضير لما سنرد به على الآخرين قد يكون أكبر عائق أمام انتقالنا من مرحلة “الإدارة” إلى مرحلة “القيادة المؤثرة”.
لماذا؟.. لأن انشغالنا بما سنقوله يعني انشغالنا بأنفسنا، والناس بطبيعتهم يتأثرون بمن يهتم بهم لا بنفسه.
هذا الأمر ينطبق على كافة أنواع العلاقات، وعلاقات العمل ليست استثناءً عن ذلك كما نظن أحياناً. أيّاً كان الطرف الآخر: صديقك، أمك، أختك في المنزل أو عميلك، مديرك، موظفك في العمل: الطبيعة البشرية تتجاوز الاختلافات الشاسعة في طبيعة هذه العلاقات وتُخضِعها جميعاً لقاسم مشترك واحد:
الكل يتأثر بك فقط عندما يستشعر: (١) اهتمامك بصدق به + (٢) فهمك واحترامك لوجهة نظره.
والمفتاح لتحقيق ذلك هو “الاستماع”
الاستماع لا يعني مجرّد “الصمت”
يبدو حسن الاستماع أمراً بسيطاً ونصيحة “مستهلكة” لكنك ستتفاجأ بمدى قلّة، بل ندرة الأشخاص القادرين على الاستماع الفعّال.
الاستماع الفعّال في الحقيقة صعب جداً ويتطلّب الكثير من”تربية النفس”..لأنه يتطلب الخروج من “دائرة الأنا” والتغلب على “حب الظهور” و”الرغبة في الفوز”.
أن أستمع للطرف الآخر بحقّ لا يعني مجرد صمتي حتى ينتهي من حديثه، فمن الممكن أن أنظر في عيني الطرف الآخر وأبقى صامتاً بنسبة ١٠٠٪ دون أن أستمع بصدق لأيّ مما قاله، لأنني أستمع فقط كي أحضر ردي “أنا” عليه، لا لأفهمه وأتعاطف معه أو أستفيد من وجهة نظره.
أن أستمع يعني أوّلاً أن أتواضع وثانياً أن أتعاطف وثالثاً وهو الأهم: أن أعطي الساحة للطرف الآخر وأعود أنا وأفكاري وقناعاتي إلى الساحة الخلفية لأستمع وأستفيد.
هل يعني ذلك أن أوافق الغير في كافة آرائهم؟
لا طبعاً، المقصود هنا هو إعطاء الجميع الحق في التعبير بما فيهم أنت. على العكس، إدلاؤك برأيك الصادق مهم جداً لإثراء الحوار والحفاظ على صدق العلاقة، لكن تأكّد دائماً أن إدلائك برأيك هو الخطوة رقم (٥) وأنك أسبقتها بالخطوات ال(٤) التالية:
- راجع نيتك فالـ”غرور” لا يمكن تخبأته: إذا وجدت أنك تؤمن بأنك تعرف الإجابة قبل أن تستمع، فتأكّد أن الطرف الآخر سيشعر بذلك ولن يرغب في الحوار معك. القائد المؤثر لديه الثقة الكافية لكي يتواضع ويعطي كافة الآراء احتمالية أن تكون أفضل من رأيه. لذا فمنظور القائد للحياة يتوسع وينضج باستمرار، ومرونته تزداد بزيادة خبرته..بسبب اهتمامه الصادق بآراء غيره.
- امنح الطرف الآخر تركيزك الكامل: أبعد الجوال وراقب أفكارك وتأكد من أن انتباهك منصبّ بالكامل على الطرف الأخر وليس على “رأيك أنت” أو على “تحضيرك للرد”.
- أَبدِ اهتمامك: اسأل أسئلة استيضاحية تؤكّد للطرف الآخر أنك مهتم بفهم ما يقصد أكثر من اهتمامك بالرد عليه.
- أَعِد ما سمعته: كرّر ما فهمته أمام الطرف الآخر. مثلاً: “ما فهمته منك هو أنك..” أو “صحّحني لو كنت مخظئاً، أنت ترى أن الحل الأمثل هو…” سماعه لما قال بلسانك يؤكّد له أنك كنت تستمع وأنك حريص على فهمه بدقّة، ويعطيه فرصة توضيح أي فهم خاطئ لما قصده.
- الآن فقط يمكنك إبداء رأيك بحرية وأنت مطمئن لأن الطرف الآخر سيقابل رأيك بنفس الاحترام.
ستتفاجأ كلما قويت لديك عضلة الاستماع بمدى استعدادك لتغيير منظورك للحياة إلى الأفضل، وازدياد مرونتك، وتحسّن قدرتك على استيعاب الغير وإشعارهم بالأمان وتحفيزهم على الإبداع.
تذكّر دائماً: الأصل في تجربتنا الإنسانيّة هو الاقتراب من الحقيقة، والـ”حقيقة” كثيراً ما تكون لدى الغير ويصرفنا عنها غرورنا بآرائنا.
لا تستمع كي ترد، استمع كي تقترب من الحقيقة.
مقالات ذات صلة
اشترك معنا!
لتصلك بزنس Shot ساخنةً صباح كل اثنين