عن أهمية “الفضاوة”

أسيرٌ أوروبي لدى الهنود الحمر، يجمع له أهله وأصدقاؤه “الفدية” ويحررونه فيهرب منهم عائداً إلى حياة القبيلة البدائية!

في كتابه العميق والممتع “القبيلة”، يتحدث سباستيان جنغر عن ظاهرةٍ حيَّرت علماء الأنثروبولوجيا خلال أكثر من 300 سنة جاور فيها المجتمع الأمريكي المتمدن قبائلَ السكان الأصليين.

لم تتوقف الهجرة خلال هذه الفترة الطويلة أبداً.. لكنها بعكس التوقعات: كانت دائماً من طرف المدنية إلى القبائل!

 

لماذا الهروب من المدنية؟

تعزو التحليلات هذه الظاهرة إلى (١) رغبة البشر في حياةٍ أكثر تشاركيةً ودفئاً، و(٢) -وهو ما نتحدث عنه اليوم- الحرية.

يتّصف العيش ضمن القبيلة ببساطةِ متطلبات الحياة المادية..

في القبيلة لا يوجد سعيٌ لا نهائي خلف التوسع وشراء المزيد من السلع والأملاك ومراكمة الثروات..

ساعاتُ العمل الرسمية أسبوعياً لا تتعدى ١٢ ساعة ، يعمل خلالها الجميع معاً ليقتسموا عوائدهم ويُغطّوا احتياجاتهم الأساسية.

وباقي الوقت، أين يذهب ؟… إنه وقتٌ حر! 

 

الركود لا الكفاءة

يقابل هذا المثال الأنثروبولوجي مصطلح “Slack Time” أو وقت الركود، وهو محور كتاب “توم ديماركو” الذي يتناول ما يسميه “خرافة الكفاءة”.

إنَّ تركيزَنا المتزايد على رفع مستوى كفاءتنا كموظفين أو كفرق عمل أو مؤسسات قد يكون له أثرٌ عكسي على نجاحنا بشكلٍ عام وذلك للكثير من الأسباب، والتي من أبرزها أنَّ وقت الركود يمنحنا:

1) مساحة للمرونة:
كما في لعبة ترتيب المكعبات التي تحتاج لترتيبها إلى مساحةٍ واحدة فارغة نحتاج نحن أيضاً إلى مساحة فارغة ضمن أي خطة أو مشروع تضمن لنا حرية تحريك أجزاء العمل بحسب تغير الظروف أو رغبتنا في تعديل النتيجة.

2) مساحة للإبداع:

النظر في الصورة الكلية، والخروج بأفكار جديدة، وابتكار حلول إبداعية يتطلب مساحةً قد تبدو مجرد فراغ لكنها في الحقيقة فرصةٌ للتنفس خارج عجلة الإنتاج والإنجاز وللخروج بأفكارٍ قد تطور من العجلة أو حتى تغنينا عن وجودها.

3) مساحة للإنسانية:

الإنصات الفعال، وبناء الثقة، وتكوين فريق عملٍ متجانس يتطلب مساحةً حرة قد تبدو معيقةً للإنتاجية بينما هي استثمارٌ في استقرار بيئة العمل وصحتها وفي نوعية علاقاتنا وثرائها تنعكس نتائجه الإيجابية على كافة الأصعدة بما فيها الإنتاجية نفسها على المدى الطويل.

في النهاية، مهما كان الخطاب السائد يقيس مدى نجاحك بمدى ازدحام جدولك وكفاءتك في استغلال كافة الفجوات، تذكَّر أن الانشغال ليس هدفاً بحد ذاته، وأنَّ الإبداع والمرونة والإنسانية تحتاج إلى الكثير من المساحات!

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اشترك معنا!

لتصلك بزنس Shot ☕ ساخنةً صباح كل اثنين