هل يكفي طيار واحد؟

ذكرت تقارير أمريكية أن شركات الطيران تسعى لتعديل اللوائح التي تنص على وجود طيار مساعد إلى جانب كابتن الطائرة على متن كل رحلة جوية والاكتفاء بطيار واحد دون مساعد!

تحاول 40 شركة طيران أمريكية وعالمية حاليّاً الضغط على منظمي السوق لتمرير هذا القرار وفي حال تم قبوله، سيبدأ تنفيذه في رحلات شحن البضائع أولاً قبل الانتقال إلى رحلات الركاب.

تحتجّ الشركات بالتقدم التكنولوجي الذي وصلت إليه صناعة الطائرات والذي يغني عن وجود مساعد، لكن بحسب محللين فإن السبب الحقيقي وراء هذه المحاولات المثيرة للجدل هو (١) محاولة خفض التكاليف التي زادت مؤخراً بسبب ارتفاع أسعار الوقود، والأهم من ذلك، (٢) حل مشكلة النقص الحاد في أعداد الطيارين الذي تعاني منه شركات الطيران.

 

أزمة نقص أعداد الطيارين

يقول أندريه مارتينز الشريك في شركة Oliver Wyman للاستشارات الإدارية والمختص في مجال المواصلات، أن هذه الأزمة عالمية ومع ذلك سيكون الشرق الأوسط من أوائل المتضررين بسببها:

“نتوقع أن تكون منطقة الشرق الأوسط هي أول المتأثرين بهذا النقص بعد أمريكا الشمالية، بسبب الزيادة الحادَّة المتوقعة في الإقبال على السفر الجوي خلال السنوات القليلة المقبلة، بالإضافة إلى دخول لاعبين جدد إلى السوق، والتطورات الكبيرة التي تشهدها المنطقة في قطاع السياحة”

أما بالنسبة لحجم هذا النقص في عدد الطيارين، فتقول دينا كامل الصحفية المتخصصة في مجال الطيران أنه من المتوقع أن يصل النقص إلى 3 آلاف طيار مع نهاية العام القادم وإلى نحو 18,000 طيار بحلول عام 2032 في حال لم يتم اتخاذ إجراءات جذريّة لحل هذه المشكلة.

فيما يلي بعض الأسباب التي ربما ساهمت في تفاقم هذه الأزمة:

1- الجائحة وانقلاب السحر على الساحر 

كان قطاع الطيران من أكثر القطاعات المتضررة من جائحة كورونا؛ حيث سجل القطاع خسائر تتجاوز الـ 130 مليار دولار!

وهكذا قررت شركات الطيران الاستغناء عن عدد من منسوبيها، لكنها كانت على دراية بأنها لا تستطيع التخلي عن عدد كبير من طاقمها وطياريها بسبب توقعات زيادة الإقبال بعد الجائحة.

ولأنَّ حزمة المساعدات الحكومية التي فرضتها الحكومة الأمريكية أجبرت خطوط الطيران على عدم تسريح أيّ من موظفيها، حاولت هذه الشركات حثّ عدد قليل منهم على الاستقالة أو التقديم على التقاعد المبكر وذلك من خلال منحهم بدلات مالية مجزية.  لكن كما يقال: فقد “انقلب السحر على الساحر”!

على سبيل المثال كانت شركة دلتا للطيران تهدف للتخلي عن 4% من منسوبيها لتتفاجئ بقبول 20% منهم هذا العرض المجزي!

2- طمع الشركات وانخفاض الحوافز 

شهد قطاع الطيران طفرة كبيرة في العوائد والأرباح بين عامي 2010 و2020، لكن عوضاً عن استغلال هذه الأرباح في تعزيز مواردها البشرية ومحاولة جذب الطيارين، اختارت هذه الشركات توزيع الأرباح على مستثمريها وإعادة شراء أسهمها فيما يسمى Stock buybacks وذلك لمحاولة تضخيم قيمتها السوقية.

3- قاعدة الـ 1500 ساعة.  

تنص قاعدة الـ 1500 ساعة على أنه لا يحق لشركات الطيران توظيف أي طيار إلا بعد إكمال 1500 ساعة طيران في الجو. بالنسبة للعديد من الطيارين والخبراء فإن هذه القاعدة هي أكبر معوقات الدخول لدى الطيارين.

 

الصورة الكلية

كانت لوائح الطيران في السابق تنص على أن يكون هناك 4 أشخاص في قمرة قيادة الطائرة، ثم تمَّ خفض هذا العدد إلى 3 أشخاص: قائد الطائرة، ومساعده، ومهندس طائرات مختص. مع تقدّم التكنولوجيا وأنظمة الملاحة، تم الاستغناء عن مهندس الطائرات ليبقى الطيار ومساعده فقط. لذلك يرى البعض أن الاستغناء عن مساعد الطائرة هو تطوّر طبيعي متوقع.

نعم، ربما يكون هذا تطوراً طبيعياً من ناحية الكفاءة التقنية، لكن ماذا عن أهمية العامل البشري والبديهة وحس التعاون؟

هل كان سالي ليهبط على نهر هدسون لولا التواصل مع مساعده؟

إن نظام الطيران بأكمله بُني على ما أسماه أحد الخبراء “generous redundancy” أي “التكرار السخي” من أجل ضمان سلامة الركاب. لذا نرى أن الطائرة صمّمت بمحركين مع إمكانية نجاة الطائرة بمحرك واحد، كما أنها تحتوي على ثلاث مولدات وثلاثة أنظمة هيدروليكية.

مساعد الطيار ليس مجرد “قدرة تقنية” تستبدل بتطور التكنولوجيا، بل هو صمّام أمان بشري.

سنرى في المستقبل القريب ما إذا كانت المخاطرة في حياة مئات الأشخاص سنوياً لتوفير بضع دولارات هي مخاطر مقبولة بالنسبة لشركات الطيران.

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اشترك معنا!

لتصلك بزنس Shot ☕ ساخنةً صباح كل اثنين